جهود الرافضة في السنغال بين النجاح والفشل
عبد المهيمن كريم
كاتب المقال:
كاتب هذه المقالة داعية سنغالي ، كانت له صلة قريبة بنشاط الشيعة في السنغال ، سافر للدراسة في إيران ، واطلع على أحوالهم عن قرب .. ثم كانت هذه المقالة للتعريف بنشاط الشيعة في السنغال .
السنغال دولة تقع في غرب إفريقيا مساحتها 400 . 201 كم2 ، تحدها موريتانيا شمالاً ، وغينيا بيساو وغينيا كوناكري غرباً ، وساحل العاج ومالي شرقاً وجنوباً ، ويبلغ عدد سكانها سبعة ملايين نسمة ، يشكل المسلمون نسبة 95 % منهم . ويمكن إرجاع دخول الرافضة في السنغال إلى ما بعد قيام الثورة الإيرانية ؛ لأن اللبنانيين الذين يعتنقون المذهب الشيعي مكثوا في البلاد أكثر من أربعين سنة دون أن يعرف السنغاليون مذهبهم الشيعي فضلاً عن الدخول فيه . أما بعد الثورة الإيرانية التي حملت شعار تصدير الثورة إلى العالم كما هو معروف بعد ذلك سمعنا ولأول مرة في تاريخ السنغال الكلام عن الشيعة والتشيع ! !
كيف دخل الرافضة في السنغال ؟
تزامن قيام الثورة الإيرانية مع تنامي الصحوة الإسلامية في السنغال ودخول الصحوة في جامعة دكار ، وأوساط التلاميذ في الثانويات والمعاهد العربية والفرنسية ، وبدأت الصحف والمطبوعات الإيرانية الشيعية تدخل البلاد ، وترفع شعار الوحدة الإسلامية بعناوين كبيرة على أغلفة المطبوعات والصفحات الأولى منها ، وفي داخلها تعالج موضوعات الثورة ، وتركز على أن سر نجاحها كامن في العامل العقائدي المتمثل في نظرية الإمامية الاثني عشرية ، لذلك كان أول من تشيّع هم بعض المثقفين من الطلبة السنغاليين من ضعيفي الثقافة الإسلامية الصحيحة .
دور السفارة الإيرانية في العمل الدعوي
يرجع دخول التشيع وانتشاره إلى جهود السفارة الإيرانية ، فهي التي كانت ولاتزال تتولى مهمة نشر الصحف والكتب واختيار العناصر المؤيدة لإيران لتقديم الدعوات إليها لزيارتها في أعياد الثورة ! ، ولما تشيعت مجموعة من الناس بواسطة هذه الدعايات ، لعبت السفارة دوراً كبيراً في دعمهم ماديّاً وتقديم المعلومات لهم من الكتب والصحف ، بل ذهب بعض الناس إلى أنهم كانوا يجتمعون في أول الأمر داخل السفارة ، ويتلقون فيها الدروس التكوينية حتى أسسوا أخيراً حركة باسم حلقة المثقفين .
دور اللبنانيين حجمهم ، نشاطهم الاقتصادي ، جمعياتهم
المصادر التي تتكلم عن تاريخ الهجرة اللبنانية تقول : إن هجرتهم إلى إفريقيا تزامنت مع مجيء الاستعمار (1) ، ولكن اللبنانيين بحكم طبيعتهم وغرابة توجهاتهم الشيعية ، اعتزلوا المجتمع السنغالي ثقافيّاً ، وبقوا يمارسون شعائرهم التعبدية في معابدهم الخاصة ، إلى أن ظهر الإمام موسى الصدر بجولاته الإفريقية المشهورة في سنة 1964م وما بعدها ، حاملاً مشروع المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في لبنان . وذهب موسى الصدر إلى كل بلد إفريقي فيه وجود لبناني ، فجمع الجالية اللبنانية ونصب لهم إماماً ومرشداً دينيّاً براتب يتحمله المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى ، فنصب للجالية اللبنانية في السنغال عبدالمنعم الزين ، وبنى له بعض اللبنانيين مركزاً فخماً في دكار قرب وزارة المالية سَمّوه (المركز الاجتماعي الإسلامي) ، وتمت البناية سنة 1401 هـ في الحادي عشر من شهر رجب الموافق 14/5/1981 م .
والبناية تحتوي على أربعة طوابق
- الطابق الأرضي نادي الرسول .
- الطابق الأول مسجد الإمام علي المستوصف الإسلامي .
- الطابق الثاني جمعية الهدى الخيرية .
- الطابق الثالث الإدارة العامة .
ويعالج المرضى في المستوصف بأجور زهيدة ، وتوجد في المركز مدرسة تسمى مدرسة الزهراء ، حيث يقوم فيها شيخهم عبدالمنعم بتدريس بعض الأفارقة ، وإذا وثق بهم يرسلهم إلى لبنان أو إيران ليواصلوا دراستهم ، وقد وجدت خلال وجودي في إيران خمسة سنغاليين مرسلين عن طريقه . كما أنشأ اللبنانيون تحت إشراف عبدالمنعم الزين مسجداً كبيراً في محطة السيارات أسموه مسجد الدرويش ، ونصب له أماماً سنغاليّاً اسمه ، كان قد تخرج على يدي عبدالمنعم ، وهو يصلي بالناس الجمعة والجماعة تقية ، وذلك بالصلاة كأهل السنة مع إدخال بعض الشعائر الشيعية دون أن يعرفها المأمومون الذين لا يعرفون من الدين شيئاً ! ولقد كُلّف الإمام من قبل عبدالمنعم بتدريس السنغاليين الذين اعتنقوا المذهب الرافضي ، ومن أنشطة عبدالمنعم أنه موّل رجلاً في (كيجواي) ، ففتح مدرسة ابتدائية عربية يدرس فيها الأطفال السنغاليين ، ويبث فيهم سموم الشيعة خُفْيَةً ، كما مول رجلاً آخر ، ففتح مدرسة في كرمدارو وهي قرية تقع على بعد خمسة عشر كيلومتراً عن تياس والمدرسة سميت دار القرآن . واللبنانيون كانوا يسيطرون على الحياة الاقتصادية في البلاد ، وبخاصة التجارية منها ، إلا أن دورهم تقلص بسبب التدهور الاقتصادي الذي تعاني منه البلاد ودخول السنغاليين في الحقل التجاري بشكل كبير ، فنزح كثير من اللبنانيين إلى ساحل العاج أو إلى أوروبا . وليس للبنانيين جمعيات مختلفة ذات طابع ديني ، وإنما التفافهم حول عبدالمنعم الزين ، أما بعض ليبرالييهم فقد توزعوا في النوادي الماسونية والرياضية والمؤسسات الاجتماعية الأخرى .
مجالات عمل الرافضة في السنغال
الروافض السنغاليون لقلة عددهم ليس لهم إلا مدرسة واحدة قائمة فعلاً ، وهي مشروع مدرسة عربية فرنسية تحتوي على روضة أطفال ، ومركز اجتماعي صحي يشرف عليه إمام جامعة دكار سابقاً ، والمدرسة فتحت منذ أكثر من سنة ، ولا يعمل فيها حالياً إلا فصل واحد لعدم تحمس السنغاليين ولشكهم في أمثال هذه المدراس أولاً ، أو ربما لحداثتها ثانياً . ويبدو أن لهم مشاريع لإنشاء الكليات والمعاهد والمكتبات والأنشطة الاجتماعية ، لكنهم لم يقوموا بأي شيء منها بعد . أما الصحف والمجلات فيعتمد الروافض السنغاليون على مطبوعات إيران التي ينشر منها كيهان العربي وهي يومية في إيران أسبوعية خارجها ، وكذلك الوحدة الإسلامية وهي عربية شهرية ، صوت الثورة الإسلامية في العراق أسبوعية ، بالإضافة إلى الرسالة وهي أسبوعية ناطقة بالفرنسية وتصدر شهريّاً ، وتؤخذ كل هذه المطبوعات من السفارة الإيرانية كما يأخذون منها كتباً مثل :
1- (ثم اهتديت) و (لأكون مع الصادقين) و (فاسألوا أهل الذكر) لالتيجاني السماوي الصوفي المتشيع (2) .
2- بحث حول الولاية ، بحث حول المهدي ، في التاريخ ، لمحمد باقر الصدر ، عقائد الإمامية ، السقيفة ، لـ محمد رضا المظفر .
3- الحكومة الإسلامية ، كشف الأسرار ، لالخميني .
4- المراجعات ، النص والاجتهاد ، أجوبة مسائل جار الله ، للمدعو عبد الحسين ! شرف الدين .
5- معالم المدرستين ، خمسمئة صحابي مختلف ، لمرتضى العسكري ، والكتب مترجمة إلى الفرنسية والإنكليزية .
6- الجمعيات : لا أعرف للرافضة السنغاليين إلا جمعية واحدة في هذا الوقت بالذات (3) ، وهي باسم حلقة المثقفين ولها طابع سري لذلك من الصعب أن يعرف الناس عنها الكثير وبخاصة من هم مثلي لكوني معروفاً لديهم .
زياراتهم إلى مكة المكرمة و إيران
أما زياراتهم لإيران فهي كثيرة ؛ لأنني خلال وجودي في إيران كنت ألتقي كل سنة مع وفد من السنغال في المناسبات : منهم مؤسس جماعة العمل الإسلامي .. وغيره (4) .
تقويم نشاطات الرافضة في الساحة السنغالية
في البداية كان النشاط الرافضي مؤثراً تأثيراً سلبيّاً على العمل الإسلامي لما للرافضة السنغاليين من معرفة بأحوال أهل السنة لأنهم تربوا في محيطهم ، إضافة إلى مطالعاتهم الكثيرة في المذهب الرافضي ، ولأن المسألة كانت جديدة على السنغاليين ، لذا : حدث اضطراب عقائدي في أوساط شباب الحركة الإسلامية ، والذين تشيعوا كانوا ضحايا ذلك الاضطراب ، ولكن لم يمكث الاضطراب مدة طويلة ، فقد بدأ الشباب يرجعون عن أفكار الرافضة بسبب الجهود التي بذلها العلماء الأفاضل من أهل السنة ، الذين قاموا بإلقاء محاضرات وبحوث توضح حقيقة عقائد أولئك وخطرهم على الأمة .
مدى تعاون الطرق الصوفية مع الرافضة
زعماء الطرق الصوفية ليس لهم وعي عقائدي ؛ لذلك لا يعرفون مدى الخطر الذي يمثله الرافضة ، فضلاً عن اشتراكهم مع الرافضة في بدع كثيرة ، وتكسب إيران ودهم بتقديم دعوات لمشايخهم لزيارة إيران ، إلا أن خوف الشيوخ من الصحوة الإسلامية التي تُتهم إيران بزعامتها حال دون ذلك ، فمثلاً : الشيخ مرتضى إمباكي نائب الخليفة العام للطائفة المريدية قُدمت إليه دعوات مرات ولكنه كان يرسل في كل مرة : إما مرتضى إمباكي مدير الأزهر في (تياس) سابقاً أو مصطفى جترا مفتش الأزهر في (طوبي) .
هل تشيع أحد من أهل السنة ، وما السبب ؟
تشيع بعض الشباب بسبب الدعايات التي قامت بها إيران في إفريقيا بواسطة الصحف والمجلات والكتب التي وزعت من قبل سفارتها ، والزيارات التي قام بها الشباب إلى إيران وعددهم لا يبلغ عشرين حسب معرفتي ، ومعظمهم يتركزون في العاصمة دكار ، ويعملون على نشر التشيع .
العلاقة السياسية بين إيران والسنغال
كانت العلاقة بين إيران والسنغال متوترة في البداية لظن الحكومة السنغالية أن إيران تدعم الحركة الإسلامية ، فأغلقت سفارتها واستدعت سفيرها من طهران ، ولما عرفت أن إيران لا تريد دعم الحركة ، وإنما تريد دعم التشيع وهو يضعف الحركة ، تصالحت الحكومة السنغالية مع إيران ، ففتحت إيران سفارتها من جديد ، وفتحت الحكومة سفارتها في إيران ، وجعلت مستشار السفير هناك أحد أبناء السنغال الذي كنا نترقب له دوراً كبيراً في مستقبل الحركة الإسلامية . فالعلاقة بين الحكومتين الآن جيدة ، وأعتقد أنها ستستمر مادامت الحكومة السنغالية تؤمن أن إيران تضعف الحركة الإسلامية الرئيسة في السنغال ، وذلك بمحاولة إحداث الانشقاق داخل صف الحركة الإسلامية السنية ، وكسب بعض عناصرها المتشددة إلى التشيع أو تأييد سياساتها .
المستقبل المتوقع لنشاط الرافضة في السنغال
لا أرى للرافضة مستقبلاً في السنغال -على الرغم من الجهود الكبيرة التي يقومون بها - ، وذلك لسببين :
الأول : زيادة كشف وجه إيران في العالم الإسلامي شيئاً فشيئاً وخيبة أمل كثيرين من مؤيديها .
الثاني : بروز نجم الحركة الإسلامية السنية في العالم كقوة رئيسة يخشاها الغرب ، وانتشار وسائلها في الساحة السنغالية من صحف ومجلات وكتب ونشرات ومراكز صحية واجتماعية ، وسلامة عقيدتها مع قوة أدلتها ورصانة حجتها .
وختاماً
فإن قضية الشيعة في السنغال بخاصة وفي إفريقيا بعامة مقلقة ، وتتطلب يقظة وانتباهاً ؛ لأن عامة الشعب السنغالي لا يعرفون عنهم شيئاً رغم الجهود التي بذلوها ، وعلى العلماء والدعاة مسؤولية كبيرة في بيان الحق ونشر السنة ، وتنشيط الدعوة إلى الكتاب والسنة على منهاج أهل السنة والجماعة .
كاتب المقال:
كاتب هذه المقالة داعية سنغالي ، كانت له صلة قريبة بنشاط الشيعة في السنغال ، سافر للدراسة في إيران ، واطلع على أحوالهم عن قرب .. ثم كانت هذه المقالة للتعريف بنشاط الشيعة في السنغال .
______________________________
(1) يُقدر عدد اللبنانيين في السنغال بحوالي خمسة عشر ألفاً ، معظمهم من الشيعة ثم الدروز ، وفيهم نسبة قليلة من النصارى ، ويعمل معظمهم في التجارة ، وهم قوة اقتصادية كبيرة في البلد ، حيث يملك اللبنانيون حوالي ثمان وأربعين شركة من كبرى الشركات في السنغال ، بالإضافة إلى عدد غير قليل من المصانع والفنادق والمحلات التجارية ، ولكن بدأ نفوذهم يقل في الآونة الأخيرة ، ولعل من أبرز التجار السابقين نبيه بري رئيس حزب أمل اللبناني ورئيس مجلس النواب الحالي في لبنان ! - البيان - .
(2) هذا الرجل المشبوه الذي تحول من صوفي قبوري إلى رافضي محترف من أعجب المدلسين والمزورين للحقائق ، ومن أعجب ما ألفه أهل السنة والجماعة هم الشيعة انظر لمعرفة حقيقته وتسليط بعض الأضواء عليه : كتاب (الشيعة والسنة) للأستاذ/ سعيد الجنيد - البيان - .
(3) في عام 1985م أسست (منظمة العمل الإسلامي) في العاصمة داكار ، وهي ذات توجه شيعي ظاهر ، وتتلقى الدعم من السفارة الإيرانية مباشرة ، وقد قام مؤسسها بزيارات متكررة إلى إيران ، ولكن هذه المنظمة لم تحظَ بقبول لدى عامة الدعاة والمثقفين ، والجدير بالذكر أن المنظمة كانت تصدر مجلة للدراسات الإسلامية باللغة الفرنسية - البيان - .
(4) ذكر الكاتب بعض الأسماء التي ترددت إلى إيران ، رأينا عدم إثباتها ، اعتماداً على قول النبي -صلى الله عليه وسلم- : ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا - البيان - .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق