الجمعة، ٥ صفر ١٤٣٣ هـ




وصلاة الجمعة: صلاة مستقلة بنفسها، تخالف الظهر: في الجهر، والعدد، والخطبة، والشروط المعتبرة لها، وتوافقها في الوقت

الأصل في وجوب صلاة الجمعة:الكتاب والسنة
 
 1 - أما الكتاب فقول الله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الـْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ الله وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ )
 2 - وأما السُّنَّة؛ فلحديث ابن عمر وأبي هريرة أنهما سمعا رسول الله r يقول: ((لينتهينَّ أقوام عن وَدْعهم الجُمُعاتِ أو ليختمنَّ الله على قلوبهم، ثم ليكونُنَّ من الغافلين) مسلم، كتاب الجمعة، باب التغليظ في ترك الجمعة، برقم 865




إن عيد الأسبوع لأهل الإسلام هو يوم الجمعة الذي كرم الله به هذه الأمة بعد أن أضل عنه اليهود والنصارى، قال - صلى الله عليه وسلم -: { أضلَّ الله عن الجمعة من كان قبلنا، فكان لليهود يوم السبت، وكان للنصارى يومُ الأحد، فجاء الله بنا فهدانا ليوم الجمعة، فجعل الجمعة والسبت والأحد، وكذلك هم لنا تبعُ يوم القيامة، نحن الآخرون من أهل الدنيا، والأولون يوم القيامة المقضي بينهم قبل الخلائق } [رواه مسلم].
ويوم الجمعة هو اليوم الذي قال عنه الرسول - صلى الله عليه وسلم - { خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة } [رواه مسلم].
قال ابن القيم في زاد المعاد: " وكان من هديه - صلى الله عليه وسلم - تعظيم هذا اليوم وتشريفه وتخصيصه بعبادات يختصُ بها عن غيره، وقد اختلف العلماء هل هو أفضل أم يوم عرفه.. " وقد عد ابن القيم أكثر من ثلاثين مزية وفضل لهذا اليوم، ومن تلك الخصائص والفضائل:
1. أنه يوم عيد متكرر: فيحرم صومه منفرداً، مخالفه لليهود والنصارى، وليتقوى العبد على الطاعات الخاصة به من صلاة ودعاء وغيرها.
2. أنه يوم المزيد، يتجلى الله فيه للمؤمين في الجنة، قال تعالى ﴿ وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ [ق:35] قال أنس - رضي الله عنه - : " يتجلى لهم في كل جمعة ".
3. أنه خير الأيام قال - صلى الله عليه وسلم -: { خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة } [رواه مسلم].
4. فيه ساعة الإجابة: قال - صلى الله عليه وسلم -: { فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم، وهو قائم يُصلي يسأل الله - تعالى - شيئاً إلا أعطاه إياه } وأشار بيده يُقلِّلها. [رواه البخاري ومسلم].
5. فضل الأعمال الصالحة فيه: قال - صلى الله عليه وسلم -: { خمس من عملهن في يوم كتبه الله من أهل الجنة: من عاد مريضاً، وشهد جنازة، وصام يوماً، وراح إلى الجمعة، وأعتق رقبة } [صححة الألباني في السلسلة الصحيحة رقم: 1033]، والمراد: أن صيامه وافق يوم الجمعة بدون قصد.
6. أنه يوم تقوم فيه الساعة: لحديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: { ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة } [رواه مسلم].
7. أنه يوم تُكفر فيه السيئات: فعن سلمان - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: { لا يغتسل رجل يوم الجمعة، ويتطهر ما استطاع من طُهر، ويَدّهِنُ من دهنه، أو يمس من طيب بيته، ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين، ثم يصلي ما كُتب له، ثم ينصت إذا تكلم الإمام، إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى } [رواه البخاري].
8. أن للماشي إلى الجمعة أجر عظيم: قال - صلى الله عليه وسلم -: { من غسَّل يوم الجمعة واغتسل ثم بكّر وابتكر ومشى ولم يركب، ودنا من الإمام فاستمع ولم يَلْغُ، كان له بكل خطوة عمل سنة أجر صيامها وقيامها } [رواه أبو داود].
9. الجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهما وزيادة ثلاثة أيام: قال - صلى الله عليه وسلم -: { من اغتسل ثم أتى الجمعة، فصلى ما قدِّر له، ثم أنصت حتى يفرغ من خطبته، ثم يصلي معه، غُفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى، وفضل ثلاثة أيام } [رواه مسلم].
10. أن الوفاة يوم الجمعة أو ليلتها من علامات حسن الخاتمة لقوله - صلى الله عليه وسلم -: { من مات يوم الجمعة أو ليلة الجمعة وُقِيَ فتنة القبر } [رواه أحمد].
11. أن الصدقة فيه خير من الصدقة في غيره من الأيام، قال ابن القيم: "والصدقة فيه بالنسبة إلى سائر أيام الأسبوع كالصدقة في شهر رمضان بالنسبة إلى سائر الشهور. ثم قال: وشاهدتُ شيخ الإسلام ابن تيمية - قدس الله روحه -، إذا خرج إلى الجمعة يأخذ ما وجد في البيت خبز أو غيره فيتصدق به في طريقه سراً..
وهناك فضائل ومزايا أخرى لهذا اليوم العظيم، ولو لم يكن فيه إلا مزية واحدة مما ذكرنا لكفى بالمرء حفظاً له وحرصاً عليه، فكيف وقد اجتمعت فيه فضائل عظيمة وخصال كثيرة !
أخي المسلم: لهذا اليوم العظيم آدابٌ وسُننٌ منها:
1. يستحب أن يقرأ الإمام في فجر الجمعة بسورتي السجدة والإنسان كاملتين كما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرؤهما، ولعل ذلك لما اشتملت عليه هاتان السورتان مما كان ويكون من المبدأ والمعاد، وحشر الخلائق، وبعثهم من القبور، لا لأجل السجدة كما يظنه بعض المسلمين.
2. التبكير إلى الصلاة: وهذا الأمر تهاون به كثير من الناس حتى أن البعض لا ينهض من فراشه، أو لا يخرج من بيته إلا بعد دخول الخطيب، وآخرون قبل دخول الخطيب بدقائق وقد ورد في الحث على التبكير والعناية به أحاديث كثيرة منها:
أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: { إذا كان يوم الجمعة كان على كل باب من أبواب المسجد ملائكة يكتبون الأول فالأول، فإذا جلس الإمام طووا صحفهم وجلسوا يستمعون الذكر، ومثل المُهِّجر ( أي المبكر ) كمثل الذي يهدي بدنه، ثم كالذي يهدي بقرة، ثم كبشاً، ثم دجاجة، ثم بيضة } [رواه مسلم]. فجعل التبكير إلى الصلاة مثل التقرب إلى الله بالأموال، فيكون المبكر مثل من يجمع بين عبادتين: بدنية ومالية، كما يحصل يوم الأضحى.
وكان من عادة السلف رضوان الله عليهم التبكير إلى الصلاة كما قال بعض العلماء: " ولو بكر إليها بعد الفجر وقبل طلوع الشمس كان حسناً ". و " كان يُرى في القرون الأولى في السحر وبعد الفجر الطرقات مملؤة يمشون في السرج ويزدحمون بها إلى الجامع كأيام العيد، حتى اندرس ذلك " وكان هذا الوقت يُعمر بالطاعة والعبادة وقراءة للقرآن وذكر الله - عز وجل - وصلاة النافلة، روي عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أنه كان يصلي قبل الجمعة ثنتي عشرة ركعة. وكان ابن عباس - رضي الله عنهما - يصلي ثمان ركعات. وأدركت إلى عهد قريب أحد العباد - رحمه الله - فكان يدخل الجامع الكبير بالرياض لصلاة الفجر ولا يخرج إلى بعد انقضاء صلاة الجمعة.
ومما يُعين على التبكير: ترك السهر ليلة الجمعة، و التهيأ لها منذ الصباح الباكر بالتفرغ من الأشغال الدنيوية، وكذلك استشعار عظم الأجر والمثوبة والحرص على جزيل الفضل وكثرة العطايا من الله - عز وجل -.
3. الإكثار من الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - قال عليه الصلاة والسلام: { إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة فيه خُلِق آدم، وفيه قُبض، وفيه النفَّخة، وفيه الصَّعقة، فأكثروا عليَّ من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة عليَّ إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء } [رواه أحمد].
4. الاغتسال يوم الجمعة: لحديث الرسول - صلى الله عليه وسلم -: { إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل } [متفق عليه]، واختلف العلماء في حكمه بين الوجوب والاستحباب والجمهور على الاستحباب فيستحب الاغتسال؛ إدراكًا للفضل.
6. يستحب قراءة سورة الكهف: لحديث الرسول - صلى الله عليه وسلم -: { من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين } [رواه الحاكم]. ولا يشترط قرائتها في المسجد بل المبادرة إلى قراءتها ولو كان بالبيت أفضل.
7. وجوب الإنصات للخطبة والحرص على فهمها والاستفادة منها: قال - صلى الله عليه وسلم -: { إذا قلت لصاحبك: أنصت يوم الجمعة والإمام يخطب، فقد لغوت } [متفق عليه].
8. الحذر من تخطي الرقاب وإيذاء المصلين: فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لرجل تخطى رقاب الناس يوم الجمعة وهو يخطب: { اجلس فقد آذيت وآنيت } [رواه أحمد] وهذا لا يفعله غالباً إلا المتأخرون.
9. إذا انتهت الصلاة فلا يفوتك أن تصلي في المسجد أربع ركعات بعد الأذكار المشروعة، أو اثنتين في منزلك.
أخي المسلم: تَحَرَّ ساعة الإجابة وأرجح الأقوال فيها: أنها آخر ساعة من يوم الجمعة.. فادع ربك وتضرع إليه واسأله حاجتك، وأرِه من نفسك خيراً، فإنها ساعة قال عنها النبي - صلى الله عليه وسلم -: { إن في الجمعة ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله شيئاً، إلا أعطاه إياه } [متفق عليه].

شروط صحة الجمعة:
1- دخول الوقت. ‏
2- تقدم خطبتين.‏
‏ 3- أن تكون بقرية . فلا يلزم البدو الرحل أهل الخيام.‏
‏ 4- حضور العدد المعتبر وهو ما تنعقد به الجماعة، وذهب الجمهور إلى اشتراط عدد معين، قيل أربعون ،وقيل ثلاثون في قول أخر، أو اثنا عشر في قول ثالث.‏
أركان الخطبتين:
‎‎ ‏1- حمد الله.‏
‏ 2- الصلاة على رسول الله.‏
‏ 3- قراءة آية من كتاب الله.‏
‏ 4- الوصية بتقوى الله.‏
‏ 5- موالاة الخطبتين مع الصلاة.‏
‏ 6- الجهر بالخطبتين.‏
سنن الخطبتين:
‎‎ ‏1- الطهارة.‏
‏ 2- كونها على منبر.‏
‏ 3- أن يسلم على الناس إذا صعد المنبر.‏
‏ 4- إسماع القوم الخطبة.‏
‎‎ ‏5- أن يجلس بينهما قليلا.‏
‏ 6- أن يعتمد على سيف أو عصا.‏
‏ 7- أن يقصر الخطبتين.‏
‏8- الدعاء للمسلمين.‏
 و قد دل الحديث علي استحباب التبكير إلي الجمعة في الساعة الأولى ، و قد اختلف الفقهاء في هذه الساعة علي ثلاثة أقوال ، ذكرها النووي في شرح المهذب، قال :
الأول : الصحيح عند المصنف و الأكثرين : من طلوع الفجر .
و الثاني : من طلوع الشمس . و به قطع المصنف في التنبيه ، و ينكر عليه الجزم به .
و الثالث : أن الساعات هنا لحظات لطيفة بعد الزوال ، و اختاره القاضي حسين و إمام الحرمين و غيرهما من الخراسانيين و هو مذهب مالك …. " (2).
و احتج أصحاب هذا القول عليه بحجتين :
إحداهما : أن الروح لا يكون إلا بعد الزوال .
الثانية : أن السلف كانوا أحرص شيء على الخير ، و لم يكونوا يغدون إلى الجمعة من وقت طلوع الشمس ، و أنكر مالك التبكير إليها في أول النهار ، و قال : لم ندرك عليه أهل المدينة .
و قال : أما الذي يقع بقلبي ، فإنه إنما أراد ساعة واحدة تكون فيها هذه الساعات …
قال أبو عمر ابن عبد البر : و الذي قاله مالك تشهد له الآثار الصحاح من رواية الأئمة و يشهد له أيضاً العمل بالمدينة عنده ، و هذا مما يصح فيه الاحتجاج بالعمل ، لأنه أمر يتردد كل جمعة لا يخفى على عامة العلماء .
قال فمن الآثار التي يحتج بها مالك ، ما رواه الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : " إذا كان يوم الجمعة ، قام على كل باب من أبواب المسجد ملائكة ، يكتبون الناس ، الأول فالأول ، فالمهَجَّر إلي الجمعة كالمُهدي بدنة ، ثم الذي يليه كالمهدي بقرة (1)… " الحديث … فجعل الأول مُهَجَّراً ، و هذه اللفظة إنما هي مأخوذة من الهاجرة و التهجير و ذلك وقت النهوض إلى الجمعة ، و ليس ذلك وقت طلوع الشمس …
و قال النووي في الرد علي قول مالك و من وافقه : " … و معلوم أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يخرج إلى الجمعة متصلاً بالزوال ، و كذلك جميع الأئمة في جميع الأمصار ، و ذلك بعد انقضاء الساعة السادسة فدل عليى أنه لا شيء من الهدى و الفضيلة لمن جاء بعد الزوال و لا يكتب له شيء أصلاً ، لأنه جاء بعد طي الصحف ، و لأن ذكر الساعات إنما كان للحث علي التبكير إليها و الترغيب في فضيلة السبق و تحصيل فضيلة الصف الأول و انتظارها و الاشتغال بالتنفل و الذكر و نحوه ، و هذا كله لا يحصل بالذهاب بعد الزوال شيء منه و لا فضيلة للمجيء بعد الزوال ، لأن النداء يكون حينئذ و يحرم التأخير عنه … " (2).
و قال ابن قدامة في الرد علي قول مالك أيضاً : " … و أما قول مالك فمخالف للآثار ، لأن الجمعة يُستحب فعلها عند الزوال ، و كان النبي صلى الله عليه و سلم يبكر بها ، و متى خرج الإمام طويت الصحف ، فلم يُكتب من أتى الجمعة بعد ذلك ، فأي فضيلة لهذا ؟ ! …. (3)
و قال ابن القيم في الرد علي أدلة مالك و من وافقه :
" قلت : و مدار إنكار التبكير أول النهار على ثلاثة أمور (4):
إحداها : على لفظة الرواح ، و أنها لا تكون إلا بعد الزوال .
و الثاني : لفظة التهجير ، و هي إنما تكون بالهاجرة وقت شدة الحر .
و الثالث : عمل أهل المدينة ، فإنهم لم يكونوا يأتون من أول النهار .
فأما لفظة الرواح ، فلا ريب أنها تطلق على المضي بعد الزوال ، و هذا إنما يكون في الأكثر إذا قُرنت بالغدو ، كقوله تعالى : ( غدوها شهر و رواحها شهر ) ، و قوله صلى الله عليه و سلم : " من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله له نزلاً في الجنة كلما غدا أو راح " … (1)
و قد يطلق الرواح بمعنى الذهاب و المضي ، و هذا إنما يجيء إذا كانت مجردة عن الاقتران بالغدو .
و قال الأزهري في التهذيب : سمعت بعض العرب يستعمل الرواح في السير في كل وقت ، يقال : راح القوم : إذا ساروا ، و غدوا كذلك … و من ذلك ما جاء في الأخبار الصحيحة الثابتة ، و هو بمعنى المضي إلي الجمعة و الخفة إليها ، لا بمعنى الرواح بالعشي .
و أما لفظ التهجير و المهجَّر ، فمن الهجير و الهاجرة ، قال الجوهري : هي نصف النهار عند اشتداد الحر ، تقول منه : هجَّر النهار … و يقال أتينا أهلنا مهجَّرين ، أي في وقت الهاجرة و التهجير ، و التهجُّر : السير في الهاجرة ، فهذا ما يقرر به قول أهل المدينة .
قال آخرون : الكلام في لفظ التهجير كالكلام في لفظ الرواح ، فإنه يطلق و يراد به التبكير .
قال الأزهري في التهذيب : روى مالك عن سُمي عن أبي صالح عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " لو يعلم الناس ما في التهجير لاستبقوا إليه " (2).
‎و في حديث آخر مرفوع : " المهجَّر إلى الجمعة كالمهدي بدنة " .
قال و يذهب كثير من الناس إلى أن التهجير في هذه الأحاديث تفعيل من الهاجرة وقت الزوال ، و هو غلط ، و الصواب فيه ما روى أبو داود المصاحفي عن النضر بن شُميل أنه قال : التهجير إلي الجمعة و غيرها : التبكير و المبادرة إلى كل شيء ، قال : سمعت الخليل يقول ذلك . قاله في تفسير هذا الحديث .
قال الأزهري : و هذا صحيح ، و هي لغة أهل الحجاز و من جاورهم من قيس …
قال الأزهري : و سائر العرب يقولون : هجَّر الرجل : إذا خرج وقت الهاجرة …
قال ابن القيم : و أما كون أهل المدينة لم يكونوا يروحون إلى الجمعة أوَّل النهار ، فهذا غاية عملهم في زمان مالك رحمه الله ، و هذا ليس بحجة ، و لا عند من يقول : إجماع أهل المدينة حجة ، فإن هذا ليس فيه إلا تركُ الرواح إلى الجمعة من أول النهار ، و هذا جائز للضرورة ، و قد يكون اشتغال الرجل بمصالحه و مصالح أهله و معاشه و غير ذلك من أمور دينه و دنياه أفضل من رواحه إلى الجمعة من أول النهار .
و لا ريب أن انتظار الصلاة بعد الصلاة و جلوس الرجل في مصلاه حتى يصلي الصلاة الأخرى ، أفضل من ذهابه و عوده في وقت آخر للثانية ، كما قال صلى الله عليه و سلم : " و الذي ينتظر الصلاة ثم يُصليها مع الإمام أفضل من الذي يصلي ثم يروح إلى أهله "(1) ، و أخبر أن الملائكة لم تزل تصلي عليه مادام في مصلاه "(2) و أخبر " أن انتظار الصلاة بعد الصلاة مما يمحو الله به الخطايا و يرفع به الدرجات ، و أنه الرَّباط "(3) و أخبر " أن الله يُباهي ملائكته بمن قضى فريضة و جلس ينتظر أخرى " (4).
و هذا يدل على أن من صلَّى الصبح ، ثم جلس ينتظر الجمعة ، فهو أفضل ممن يذهب ثم يجيء في وقتها ، و كون أهل المدينة و غيرهم لا يفعلون ذلك ، لا يدل على أنه مكروه ، فهكذا المجيء إليها و التبكير في أول النهار "(5) .
و قال الخطابي في شرح هذا الحديث : " معنى راح قصد الجمعة و توجه إليها مبكراً قبل الزوال .
قال : و إنما تأولناه هكذا لأنه لا يتصور أن يبقى بعد الزوال خمس ساعات في وقت الجمعة .
قال : و هذا شائع الكلام ، تقول : راح فلان بمعنى قصد ، و إن كان حقيقة الرواح بعد الزوال و الله أعلم (6).
و اختلف في المراد بالساعات ، أهو المتبادر إلي الذهن من العرف فيها ، قال الحافظ : " و فيه نظر : إذ لو كان ذلك المراد لاختلف الأمر في اليوم الشاتي و الصائف ، لأن النهار ينتهي في القصر إلى عشر ساعات ، و في الطول إلى أربع عشرة . و هذا الإشكال للقفَّال ، و أجاب عنه القاضي حسين بأن المراد بالساعات ما لا يختلف عدده بالطول و القصر ، فالنهار اثنتا عشرة ساعة ، لكن يزيد كل منها و ينقص ، و الليل كذلك ، و هذه تسمى الساعات الآفاقية عند أهل الميقات و تلك التعديلية ، و قد روى أبو داود و النسائي و صححه الحاكم من حديث جابر مرفوعاً : " يوم الجمعة اثنتا عشرة ساعة " و هذا و إن لم يرد في حديث التبكير ، فيستأنس به في المراد بالساعات .
و قيل : المراد بالساعات بيان مراتب المبكرين من أول النهار إلي الزوال ، و أنها تنقسم إلى خمس . و تجاسر الغزالي فقسمها برأيه ، فقال : الأولى من طلوع الفجر إلي طلوع الشمس ، و الثانية إلي ارتفاعها ، و الثالثة إلي انبساطها ، و الرابعة إلى أن ترمص الأقدام ، و الخامسة إلى الزوال .
و اعترضه ابن دقيق العيد بأن الرد إلى الساعات المعروفة أولى ، و إلا لم يكن لتخصيص هذا العدد بالذكر معنى ، لأن المراتب متفاوتة جداً … " (1).

فائدة :
قال النووي : " من جاء في أول ساعة من هذه الساعات و من جاء في آخرها مشتركان في تحصيل أصل البدنة أو البقرة أو غيرهما ، و لكن بدنة الأول أكمل من بدنة من جاء في آخر الساعة ، و بدنة المتوسط متوسطة … " (2).
 السؤال:
ماذا يمكن أن يفعل المرء في مثل هذا الموقف : إذا عطس في أثناء خطبة الجمعة ؛ هل يقول : الحمد لله ؟

الجواب :
الحمد لله
إذا عطس مستمع خطبة يوم الجمعة، حمد الله سراً، أي بينه وبين نفسه، فإن سمعه أحد لم يجز له تشميته.
جاء في المدونة (1/230): "قال مالك فيمن عطس والإمام يخطب ؟ فقال يحمد الله في نفسه سرا , قال : ولا يشمت أحد العاطس والإمام يخطب " انتهى.
وقال المرداوي رحمه الله: " يجوز تأمينه على الدعاء ، وحمده خفية إذا عطس . نص عليه " انتهى من الإنصاف"(2/418)
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: "وإذا عطس فعليه أن يحمد الله في نفسه ، ولا يرفع صوته" انتهى من "مجموع الفتاوى" (12/411)
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : "إذا عطس المأموم يوم الجمعة فإنه يحمد الله خفية، فإن جهر بذلك فسمعه من حوله ، فلا يجوز لهم أن يشمتوه " انتهى من "الشرح الممتع"(5/109) .
والله أعلم 

Share |
السؤال : ما أهمية الجلوس بين الخطبتين في الجمعة ؟ وما حكم هذه الجلسة ؟ وهل يمكن أداء الخطبة بدونها ؟
الجواب :
الحمد لله
أولاً :
ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يجلس بين الخطبتين في الجمعة ، فقد روى البخاري (928) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : ( كَانَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ يَقْعُدُ بَيْنَهُمَا ) ، وروى مسلم (862) عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال : ( كَانَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُطْبَتَانِ يَجْلِسُ بَيْنَهُمَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيُذَكِّرُ النَّاسَ ) ، وروى أبو داود (1092) عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : ( كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ كَانَ يَجْلِسُ إِذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ حَتَّى يَفْرَغَ - أُرَاهُ قَالَ : الْمُؤَذِّنُ - ثُمَّ يَقُومُ فَيَخْطُبُ ثُمَّ يَجْلِسُ فَلَا يَتَكَلَّمُ ثُمَّ يَقُومُ فَيَخْطُبُ ) ، وصححه الشيخ الألباني في "صحيح سنن أبي داود" .
وقد اختلف العلماء في الحكمة من مشروعية الجلوس بين الخطبتين .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : " واختلف في حكمتها ، فقيل : للفصل بين الخطبتين ، وقيل : للراحة ، وعلى الأول وهو الأظهر يكفي السكوت بقدرها " انتهى من " فتح الباري " (2/ 406) .

ثانياً :
اختلف العلماء في حكم جلوس الخطيب بين الخطبتين في الجمعة ، وذلك على قولين :
القول الأول : أن الجلوس بين الخطبتين سنة ، وهو مذهب الجمهور .
القول الثاني : أن الجلوس بين الخطبتين شرط لصحة الخطبة ، وهو المذهب عند الشافعية .
جاء في الموسوعة الفقهية (15/270) : " ذهب الحنفية , وجمهور المالكية , والحنابلة في الصحيح من المذهب إلى أن الجلوس بين خطبتي الجمعة , والعيدين سنة ؛ لما روي عن أبي إسحاق قال : رأيت عليا يخطب على المنبر فلم يجلس حتى فرغ .
ويرى الشافعية وهو رواية عن أحمد أن الجلوس بينهما بطمأنينة شرط من شروط الخطبة ؛ لخبر الصحيحين : ( أنه صلى الله عليه وسلم كان يخطب يوم الجمعة خطبتين يجلس بينهما ) " انتهى .
فعلى مذهب الجمهور إذا لم يجلس الإمام بين الخطبتين ، فإنه يفصل بينهما بسكوت .
قال ابن قدامة رحمه الله : " فإن خطب جالسا لعذرٍ فصل بين الخطبتين بسكتة , وكذلك إن خطب قائما فلم يجلس . قال : ابن عبد البر : ذهب مالك , والعراقيون , وسائر فقهاء الأمصار إلا الشافعي , أن الجلوس بين الخطبتين لا شيء على من تركه " انتهى من " المغني " (2/78) .
والله أعلم .

Share |
ذكر لي أحد معارفي بأنه لا تصح صلاة الجمعة إلا في مكان تؤدى فيه الصلوات الخمس اليومية في جماعة. فهل هذا الكلام صحيح ؟
الجواب:
الحمد لله
لا يشترط للجمعة أن تقام بمسجد أو جامع ، عند جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة ، خلافا للمالكية .
قال في "البحر الرائق ـ من كتب الأحناف ـ (2/ 162) : " ( قوله والإذن العام ) أي : شرط صحتها الأداء على سبيل الاشتهار ، حتى لو أن أميرا أغلق أبواب الحصن ، وصلى فيه بأهله وعسكره صلاة الجمعة : لا تجوز . كذا في الخلاصة . وفي المحيط : فإن فتح باب قصره وأذن للناس بالدخول : جاز ، ويكره ; لأنه لم يقض حق المسجد الجامع " انتهى .
وقال في "طرح التثريب" (3/ 190) : " مذهبنا [ أي : مذهب الشافعية ] : أن إقامة الجمعة لا تختص بالمسجد ، بل تقام في خِطة الأبنية ؛ فلو فعلوها في غير مسجد لم يُصلّ الداخل إلى ذلك الموضع في حالة الخطبة ، إذ ليست له تحية " انتهى .
وقال في " الإنصاف" (2/ 378) ـ من كتب الحنابلة ـ : " قوله ( ويجوز إقامتها في الأبنية المتفرقة , إذا شملها اسم واحد ، وفيما قارب البنيان من الصحراء ) وهو المذهب مطلقا . وعليه أكثر الأصحاب . وقطع به كثير منهم . وقيل : لا يجوز إقامتها إلا في الجامع " انتهى.
وأما المالكية ، فاشترطوا لإقامتها الجامع ، كما سبق .
قال خليل المالكي في شروط الجمعة : " وبجامع مبني متحد ".
قال في "التاج والإكيل" (2/ 520) : " ( وبجامع ) ابن بشير : الجامع من شروط الأداء . ابن رشد : لا يصح أن تقام الجمعة في غير مسجد ( مبني ) الباجي : من شروط المسجد البنيان المخصوص على صفة المساجد " انتهى .
Share |
ذكر لي أحد معارفي بأنه لا تصح صلاة الجمعة إلا في مكان تؤدى فيه الصلوات الخمس اليومية في جماعة. فهل هذا الكلام صحيح ؟
الجواب:
الحمد لله
لا يشترط للجمعة أن تقام بمسجد أو جامع ، عند جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة ، خلافا للمالكية .
قال في "البحر الرائق ـ من كتب الأحناف ـ (2/ 162) : " ( قوله والإذن العام ) أي : شرط صحتها الأداء على سبيل الاشتهار ، حتى لو أن أميرا أغلق أبواب الحصن ، وصلى فيه بأهله وعسكره صلاة الجمعة : لا تجوز . كذا في الخلاصة . وفي المحيط : فإن فتح باب قصره وأذن للناس بالدخول : جاز ، ويكره ; لأنه لم يقض حق المسجد الجامع " انتهى .
وقال في "طرح التثريب" (3/ 190) : " مذهبنا [ أي : مذهب الشافعية ] : أن إقامة الجمعة لا تختص بالمسجد ، بل تقام في خِطة الأبنية ؛ فلو فعلوها في غير مسجد لم يُصلّ الداخل إلى ذلك الموضع في حالة الخطبة ، إذ ليست له تحية " انتهى .
وقال في " الإنصاف" (2/ 378) ـ من كتب الحنابلة ـ : " قوله ( ويجوز إقامتها في الأبنية المتفرقة , إذا شملها اسم واحد ، وفيما قارب البنيان من الصحراء ) وهو المذهب مطلقا . وعليه أكثر الأصحاب . وقطع به كثير منهم . وقيل : لا يجوز إقامتها إلا في الجامع " انتهى.
وأما المالكية ، فاشترطوا لإقامتها الجامع ، كما سبق .
قال خليل المالكي في شروط الجمعة : " وبجامع مبني متحد ".
قال في "التاج والإكيل" (2/ 520) : " ( وبجامع ) ابن بشير : الجامع من شروط الأداء . ابن رشد : لا يصح أن تقام الجمعة في غير مسجد ( مبني ) الباجي : من شروط المسجد البنيان المخصوص على صفة المساجد " انتهى .
 
*فى مسألة الأذانين:ـ
في صحيح البخاري عن السائب بن يزيد قال: كان النداء يوم الجمعة أوله إذا جلس الإمام على عهد النبي صَلى اللّهُ عَليه وَسَلَم وأبي بكر وعمر رضي اللّه عنهما فلما كان عثمان رضي اللّه عنه وكثر الناس زاد النداء الثالث على الزوراء. وسمي ثالثاً باعتبار الأذان الأول والإقامة وروى ابن أبي شيبة عن عمر قال: الأذان الأول يوم الجمعة بدعة. يعني الذي زاده عثمان رضي اللّه عنه وفي العتبية: سئل مالك عن أي الندائين يمنع فيه المسلمون من البيع فقال: الذي ينادى به والامام جالس على المنبر وقال: الأذان بين يدي الإمام من الأمر القديم اهـ. ومنه يعلم أن الأذان الذي على المنارة محدث لكن لا بأس به لما فيه من المصلحة. ؛ ومما لا ريب فيه أن زيادة هذا الأذان مشروعة، لأن الغرض منه الإعلام، فلما كثر الناس كان إعلامهم بوقت الصلاة مطلوباً، وسيدنا عثمان من كبار الصحابة المجتهدين الذين عرفوا قواعد الدين ونقلوها عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم.
 
 *البيع يوم الجمعة :ـ
ويحرم على ذي الجمعة " أي من تلزمه ولمن يقعد معه " التشاغل بالبيع وغيره " من سائر العقود والصنائع وغيرها مما فيه تشاغل عن السعي إلى الجمعة " بعد الشروع في الأذان بين يدي الخطيب " حال جلوسه على المنبر لقوله تعالى " إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع " فورد النص في البيع وقيس عليه غيره سواء أكان عقدا أم لا ولو تبايع اثنان أحدهما فرضه الجمعة دون الآخر أثما إثما جميعا ويستثنى من تحريم البيع ما لو احتاج إلى ماء طهارته أو ما يواري عورته أو ما يقوته عند الاضطرار…. والله تعالى أعلى وأعلم !!!
 وصلى الله وسلم على محمد وآله وصحبه أجمعين,,,,
 من فضلكم هل يمكنكم أن تُفصِّلوا ما يجب القيام به في صلاة الجمعة ؟ فنحن نقوم بالاستماع إلى خطبة بلغتنا ، ثم يقام الأذان ، ثم نصلي (4) ركعات سنة ، ثم يخطب الإمام خطبة بالعربية . فهل ما نقوم به صحيح ؟
الحمد لله
أولا :
اتفق الفقهاء على أن الأَوْلى أن تكون الخطبة باللغة العربية ، ولكنهم اختلفوا في اشتراط ذلك، على ثلاثة أقوال :
القول الأول :
أنه يشترط أن تكون بالعربية للقادر عليها ولو كان السامعون لا يعرفون العربية .
وبهذا قال المالكية ، وهو المذهب والمشهور عند الحنابلة .
انظر: "الفواكه الدواني" (1/306)، "كشاف القناع" (2/34) .
القول الثاني :
يشترط أن تكون بالعربية للقادر عليها ، إلا إذا كان السامعون جميعاً لا يعرفون العربية فإنه يخطب بلغتهم .
وهذا هو الصحيح عند الشافعية ، وبه قال بعض الحنابلة .
انظر: "المجموع" للنووي (4/522) .
القول الثالث :
يستحب أن تكون بالعربية ولا يشترط ، ويمكن للخطيب أن يخطب بلغته دون العربية :
وهو قول أبي حنيفة وبعض الشافعية .
انظر: "رد المحتار" (1/543) ، و"الموسوعة الفقهية" (19/180) .
وهذا القول الثالث هو الصحيح ، واختاره جماعة من علمائنا المعاصرين ، لعدم ورود دليل صريح يوجب كون الخطبة باللغة العربية ، ولأن المقصود من الخطبة هو حصول الوعظ والنفع والفائدة ، وذلك لا يكون إلا بلغة الحضور .
جاء في قرار مجلس المجمع الفقهي برابطة العالم الإسلامي جاء ما يلي :
" الرأي الأعدل هو أن اللغة العربية في أداء خطبة الجمعة والعيدين في غير البلاد الناطقة بها ليست شرطاً لصحتها ، ولكن الأحسن أداء مقدمات الخطبة وما تضمنته من آيات قرآنية باللغة العربية ، لتعويد غير العرب على سماع العربية والقرآن ، مما يسهل تعلمها ، وقراءة القرآن باللغة التي نزل بها ، ثم يتابع الخطيب ما يعظهم به بلغتهم التي يفهمونها " انتهى.
"قرارات المجمع الفقهي" (ص/99) (الدورة الخامسة، القرار الخامس)
وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :
"لم يثبت في حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على أنه يُشترط في خطبة الجمعة أن تكون باللغة العربية ، وإنما كان صلى الله عليه وسلم يخطب باللغة العربية في الجمعة وغيرها ؛ لأنها لغته ولغة قومه ، فَوَعَظَ مَنْ يخطب فيهم وأرشدهم وذكَّرهم بلغتهم التي يفهمونها ، لكنه أرسل إلى الملوك وعظماء الأمم كتبا باللغة العربية ، وهو يعلم أن لغتهم غير اللغة العربية ، ويعلم أنهم سيترجمونها إلى لغتهم ليعرفوا ما فيها .
وعلى هذا يجوز لخطيب الجمعة في البلاد التي لا يعرف أهلها أو السواد الأعظم من سكانها اللغة العربية أن يخطب باللغة العربية ، ثم يترجمها إلى لغة بلاده ؛ ليفهموا ما نصحهم وذكَّرهم به ، فيستفيدوا من خطبته .
وله أن يخطب خطبة الجمعة بلغة بلاده مع أنها غير عربية ، وبذلك يتم الإرشاد والتعليم والوعظ والتذكير ويتحقق المقصود من الخطبة .
غير أن أداء الخطبة باللغة العربية ثم ترجمتها إلى المستمعين أَوْلى ، جمعا بين الاهتداء بهدي النبي صلى الله عليه وسلم في خُطَبِه وكتبه ، وبين تحقيق المقصود من الخطبة خروجا من الخلاف في ذلك " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (8/253) .
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله :
" ولعل الأظهر والأقرب والعلم عند الله تعالى أن يفصَّل في المسألة فيقال :
إن كان معظم من في المسجد من الأعاجم الذين لا يفهمون اللغة العربية فلا بأس من إلقائها بغير العربية ، أو إلقائها بالعربية ومن ثم ترجمتها .
وأما إن كان الغالب على الحضور هم ممن يفهمون اللغة العربية ، ويدركون معانيها في الجملة ، فالأولى والأظهر الإبقاء على اللغة العربية وعدم مخالفة هدى النبي صلى الله عليه وسلم ، لاسيما وقد كان السلف يخطبون في مساجد يوجد بها أعاجم ، ولم ينقل أنهم كانوا يترجمون ذلك ؛ لأن العزة كانت للإسلام والكثرة والسيادة للغة العربية .
وأما ما يدل على الجواز عند الحاجة فإن لذلك أصلاً في الشريعة ، وهو قوله تعالى : ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ) .
ومن ذلك أن الصحابة رضي الله عنهم لما غزوا بلاد العجم من فارس والروم لم يقاتلوهم حتى دعوهم إلى الإسلام بوساطة المترجمين " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (12/372).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" الصحيح في هذه المسألة أنه يجوز لخطيب الجمعة أن يخطب باللسان الذي لا يفهم الحاضرون غيره ، فإذا كان هؤلاء القوم ليسوا بعرب ، ولا يعرفون اللغة العربية ، فإنه يخطب بلسانهم ؛ لأن هذا هو وسيلة البيان لهم ، والمقصود من الخطبة هو بيان حدود الله سبحانه وتعالى للعباد ، ووعظهم ، وإرشادهم ، إلا أن الآيات القرآنية يجب أن تكون باللغة العربية ، ثم تفسر بلغة القوم .
ويدل على أنه يخطب بلسان القوم ولغتهم قوله تعالى : ( وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم )
فبين الله تعالى أن وسيلة البيان إنما تكون باللسان الذي يفهمه المخاطبون ، فعلى هذا له أن يخطب باللسان غير العربي ، إلا إذا تلا آية فإنه لا بد أن تكون باللسان العربي الذي جاء به القرآن ، ثم بعد ذلك يفسر لهؤلاء القوم بلغتهم " انتهى.
"فتاوى نور على الدرب" (فتاوى الصلاة/صلاة الجمعة)
وانظر جواب السؤال رقم: (984) .
ثانيا :
ينبغي أن لا تغير هيئة صلاة الجمعة إلى ما ذكر في السؤال ، حيث تقام فيها خطبتان ، خطبة قبل الأذان بلغة القوم ، وأخرى بعد الأذان باللغة العربية ، بل إما أن يخطب بلغة القوم ، وإما أن يخطب بالعربية ويترجمها في الحال وهو على المنبر باللغة الأخرى .
فقد سئل الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله عن ترجمة خطبة الجمعة إلى بعض اللغات الأجنبية ، وذلك بعد صلاة الجمعة في المسجد الحرام ، حتى يستفيد منها من لا يعرف اللغة العربية . فأجاب :
" لا نرى الموافقة على ما ذكر ، ولا يسوغ أن يخطب يوم الجمعة قبل الصلاة وبعدها .
وإذا كان المقصود إبلاغ الخطبة لمن لا يفهم اللغة العربية فيمكن أن تترجم الخطبة وغيرها من ضمن برامج الإذاعة في غير وقت صلاة الجمعة " انتهى.
"مجموع فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم" (3/20) .
ونحن نحث جميع المسلمين على تعلم اللغة العربية ، إذ هي لغة القرآن الكريم ، وبها تفهم الشريعة ، وتدرك معاني أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم .
قال الشيخ رشيد رضا رحمه الله :
" قد بينا غير مرة ، أن معرفة اللغة العربية واجبة على كل مسلم ؛ لأن فهم الدين وإقامة شعائره وأداء فرائضه ، كل ذلك موقوف على فهْم هذه اللغة ، ولا تصح إلا بها ، وخطبة الجمعة من أقلها تأكيداً وثبوتاً ، وإن كانت من أكبر الشعائر فائدة .
وقد كان الذين يدخلون في الإسلام من الأعاجم على عهد الصدر الأول يبادرون إلى تعلم اللغة العربية ؛ لأجل فهم القرآن والسنة ، والارتباط بصلة اللغة التي لا تتحقق وحدة الأمة بدونها ، وكان الصحابة يخطبون الناس باللغة العربية في كل بلاد يفتحونها ، وما كان يمر الزمن الطويل على بلاد يدخلونها إلا وتتحول لغتها إلى لغتهم في زمن قصير بتأثير روح الإسلام ، لا بالترغيب الدنيوي ولا بقوة الإلزام ، ولو كانوا يرون إقرار من يدخل في دينهم من الأمم الأعجمية على لغاتهم لبادروا هم إلى تعليم لغات تلك الأمم ، وأقاموا لهم فرائض الدين وعباداته بها ، وبقي الروماني رومانيّاً ، والفارسي فارسيّاً وهلم جرا .
وإن التفريق الذي نراه اليوم في المسلمين باختلاف اللغات ، هو من سيئات السياسة ومفاسدها الكبرى ، وإذا لم ترجع الدولتان العثمانية والإيرانية إلى السعي في تعميم اللغة العربية في مملكتيهما ، فسيأتي يوم تندمان فيه ، وإننا لا نعتد بإصلاحٍ في الهند ، ولا بغيرها من بلاد المسلمين ، ما لم يجعل ركن التعليم الأول تعلم العربية وجعلها لغة العلم " انتهى.
"مجلة المنار" (6/496) .
رابعاً :
أما صلاة أربع ركعات سنة قبل الجمعة ، فليس للجمعة سنة قبلها ، وإنما يشرع التطوع المطلق قبلها من غير تحديد بعدد ، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (6653) و (14075) .
والله أعلم .


جعلنا الله وإياكم ممن يعبد الله حق عبادته وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.