الأحد، ١٨ ذو القعدة ١٤٣٢ هـ

وجود الأطفال في المساجد

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

1 -  تعظیم المساجد

يجب تعظیم المساجد ورعاية حرمتھا وتنزيھھا عن كل ما لا يلیق بھا  من اللغو والباطل واللعب
ونحو ذلك  وقد قال الله تعالى: فِي بُیُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِیھَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِیھَا بِالْغُدُوِّ
.{ وَالْآصَالِ. { النور: 36
قال القاسمي: قال السیوطي في الإكلیل: في ھذه الآية الأمر بتعظیم المساجد وتنزيھھا عن اللغو
والقاذورات وفیھا استحباب ذكر الله والصلاة في المساجد. انتھى.
ودلائل وجوب احترام المساجد وتعظیمھا كثیرة، فما يفعله ھؤلاء الشباب مناف لما أمرنا الله تعالى
به من صیانة المساجد وتعظیمھا، وإذا كان النبي صلى الله علیه وسلم قد أمر بعدم التشويش
على المصلي ولو بقراءة القرآن فكیف بالتشويش علیه باللعب المنافي لتعظیم المسجد؟.


2- وجود الأطفال في المسجد في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلقد كان وجود الأطفال في المسجد وإحضارهم معهودا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والأدلة على ذلك كثيرة.
منها: ما رواه أحمد وغيره عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس، وكان الحسن بن علي رضي الله عنهما يثب على ظهره إذا سجد، ففعل ذلك غير مرة... الحديث، وهو حديث صحيح.
وروى الترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطبنا إذ جاء الحسن والحسين عليهما السلام، عليهما قميصان أحمران، يمشيان ويعثران، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنبر، فحملهما ووضعهما بين يديه، ثم قال: صدق الله "إنما أموالكم وأولادكم فتنة" ... الحديث. 
وروى البيهقي من حديث شداد بن الهاد في حديث طويل أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد، فجاء الحسن وصعد على ظهره، فأطال رسول الله صلى الله عليه وسلم السجود حتى نزل الحسن، ثم قال: إن ابني ارتحلني فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته. 
فهذه الأحاديث وغيرها تدل على أن الصبيان كان يؤتى بهم إلى المسجد زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم.


ينبغي أن نعلم أنه لا حرج على الصبي المميز أن يصف مع الجماعة ، بل ينبغي تعويده ذلك وتشجيعه عليه ،
وتمكينه من الصف الأول وغيره إذا سبَق إليه .وفي إحضارهم إلى المسجد فوائد كثيرة، منها: تعليمهم الصلاة، وتعليمهم كتاب الله عز وجل، وحضورهم حلقات العلم، وتأدبهم بالآداب الإسلامية وغير ذلك من الفوائد.
ولكن ينبغي للآباء أن يحُوطُوهم بالعناية والإرشاد، لكي لا يكونوا سببا في التشويش على المصلين.


والتمييز لا يختص بسن السابعة ، فقد يكون الطفل ذكيا نابها وهو في السادسة أو
الخامسة ، فيعقل الصلاة ، ويلتزم بآداب المسجد .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " التمييز يكون غالبا في سبع سنين، ولكن قد
يميز الصبي وعمره خمس سنين، قال محمود بن الربيع رضي الله عنه: عقلت مجََّة مجهّا
الرسول صلى الله عليه وسلم في وجهي وأنا ابن خمس سنين. فبعض الصغار يكون ذكيا يميز
وهو صغير، وبعضهم يبلغ ثماني سنين وما يميز " انتهى من "لقاء الباب المفتوح"
(13/37).
وقد سئل الإمام مالك رحمه الله عن الصبيان يؤتى بهم إلى المساجد ؟ فقال : "إن كان
لا يعبث لصغره ، ويكُفَ إذا نهُي فلا أرى بهذا بأسا ، وإن كان يعبث لصغره فلا أرى
أن يؤتى به إلى المسجد " انتهى من المدونة ( 195 / 1) .
فمن كان دون التمييز فلا ينبغي إحضاره ، إلا عند الاضطرار أو الحاجة ، كأن تتغيب
أمه عن البيت ولا يمكن للأب تركه في البيت بمفرده ، ونحو ذلك .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : ما حكم إحضار الصبيان الذين هم دون التمييز
ممن يلُبََّسُّون الحفائظ التي ربما يكون أو غالب ما يكون فيها النجاسة؟ وإذا حضروا
هل يطُرْدَون أم لا؟
فأجاب : "إحضار الصبيان للمساجد لا بأس به ما لم يكن منهم أذية ، فإن كان منهم أذية
فإنهم يمُنعون ؛ ولكن كيفية منعهم أن نتصل بأولياء أمورهم ، ونقول: أطفالكم
يشوِّشون علينا ، يؤذوننا وما أشبه ذلك ، ولقد كان النبي عليه الصلاة والسلام يدخل
في صلاته يريد أن يطيل فيها ، فيسمع بكاء الصبي فيتجوَّز في صلاته مخافة أن تفتتن
الأم ، وهذا يدل على أن الصبيان موجودون في المساجد؛ لكن كما قلنا : إذا حصل منهم
أذية فإنهم يمُنعون عن طريق أولياء أمورهم ؛ لئلا يحصل فتنة ؛ لأنك لو طردت صبياً
له سبع سنوات يؤذي في المسجد ، وضربته سيقوم عليك أبوه ؛ لأن الناس الآن غالبهم ليس
عندهم عدل ولا إنصاف ، ويتكلم معك وربما يحصل عداوة وبغضاء. فعلاج المسألة هو: أن
نمنعهم عن طريق آبائهم حتى لا يحصل في ذلك فتنة.



3 - موقف الرجال والصبيان والنساء من الإمام

فقد أولى الإسلام صفوف المصلين عناية كبيرة, فأمر بتسويتها, وأظهر فضيلة ذلك والاهتمام به، ومن تمام تسوية الصفوف موقف المصلين خلف الإمام، فقد جاء الأمر النبوي بترتيب الصفوف ليكون صف الرجال خلف الإمام، ثم يصف الصبيان خلف الرجال ما لم يسبقوا أو يمنع مانع، ثم يصف النساء خلف الصبيان.
ويدل على ذلك حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليلني منكم أولو الأحلام والنهى، ثم الذين يلونهم ثلاثاً، وإياكم وهيشات الأسواق)) رواه مسلم (432) قال الإمام النووي رحمه الله: "في هذا الحديث تقديم الأفضل فالأفضل إلى الإمام لأنه أولى بالإكرام، ولأنه ربما احتاج الإمام إلى استخلاف فيكون هو أولى، ولأنه يتفطن لتنبيه الإمام على السهو ما لا يتفطن له غيره، وليضبطوا صفة الصلاة، ويحفظوها وينقلوها، ويعلموها الناس، وليقتدي بأفعالهم من ورائهم، ولا يختص هذا التقديم بالصلاة بل السنة أن يقدم أهل الفضل في كل مجمع إلى الإمام وكبير المجلس كمجالس العلم والقضاء، والذكر والمشاورة، ومواقف القتال وإمامة الصلاة، والتدريس والإفتاء، وإسماع الحديث ونحوها، ويكون الناس فيها على مراتبهم في العلم والدين، والعقل والشرف، والسن والكفاءة في ذلك الباب، والأحاديث الصحيحة متعاضدة على ذلك"1.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في أصحابه تأخراً فقال لهم: ((تقدموا فأتموا بي، وليأتم بكم من بعدكم2، لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله))3 رواه مسلم (438).
والمقصود فيما تقدم أن يتقدم الرجال، ثم الصبيان، ثم بعد ذلك النساء لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: ((خير صفوف الرجال أولها، وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها)) رواه مسلم (440) قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "ويلزم من ذلك أن تتأخر صفوف النساء عن صفوف الرجال، وهذا الترتيب الذي ذكرناه ... ما لم يمنع مانع، فإن منع منه مانع بحيث لو جمع الصبيان بعضهم إلى بعض لحصل بذلك لعب وتشويش؛ فحينئذ لا نجمع الصبيان بعضهم إلى بعض؛ وذلك لأن الفضل المتعلق بذات العبادة أولى بالمراعاة من الفضل المتعلق بمكانها"4.
وتقديم الرجال ثم الصبيان يكون في ابتداء الأمر كأن يجتمع الناس للصلاة في وقت واحد، ولم يتقدم أحد قبل أحد، أما إذا جاء الصبي إلى الصفوف الأُوَّل، وسبق إلى مكان؛ فهو أحق به من غيره لحديث ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يقيم الرجل الرجل من مجلسه ثم يجلس فيه)) رواه البخاري (6269)، ومسلم (2177)، واللفظ للبخاري.
وقد سئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: ما حكم تأخير الصبيان عن الصف الأول إذا كانوا قد سبقوا إليه؟ فأجاب بقوله: "لا يجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يقيم الرجل أخاه فيجلس في مكانه، إلا إذا حصل من هؤلاء الصبيان أذية فإنه يكلم أولياء أمورهم بهذا ليمنعهم من المسجد"5.
وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: بعض الأولاد يبكرون يوم الجمعة، ويأتي أناس أكبر منهم ويقيمونهم ويجلسون مكانهم، ويحتجون بقوله صلى الله عليه وسلم: ((ليلني منكم أولو الأحلام والنهى)) فهل هذا جائز؟ فأجاب: "هذا يقوله بعض أهل العلم، ويرى أن الأولى بالصبيان أن يصفوا وراء الرجال، ولكن هذا القول فيه نظر، والأصح أنهم إذا تقدموا لا يجوز تأخيرهم، فإذا سبقوا إلى الصف الأول، أو إلى الصف الثاني؛ فلا يقيمهم من جاء بعدهم؛ لأنهم سبقوا إلى حق لم يسبق إليه غيرهم، فلم يجز تأخيرهم لعموم الأحاديث في ذلك؛ لأن في تأخيرهم تنفيراً لهم من الصلاة، ومن المسابقة إليها؛ فلا يليق ذلك.
لكن لو اجتمع الناس بأن جاءوا مجتمعين في سفر أو لسبب فإنه يصف الرجال أولاً، ثم الصبيان ثانياً، ثم النساء بعدهم إذا صادف ذلك وهم مجتمعون، أما أن يؤخذوا من الصفوف ويزالوا، ويصف مكانهم الكبار الذين جاءوا بعدهم؛ فلا يجوز ذلك لما ذكرنا.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: ((ليلني منكم أولو الأحلام والنهى)) فالمراد به التحريض على المسارعة إلى الصلاة من ذوي الأحلام والنهى، وأن يكونوا في مقدم الناس، وليس معناه تأخير من سبقهم من أجلهم؛ لأن ذلك مخالف للأدلة الشرعية التي ذكرنا"6.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا إلى ما يحب ويرضى، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.

 

1 شرح النووي على صحيح مسلم (4/155) دار إحياء التراث العربي - بيروت، ط. الثانية 1392هـ.
2 معناه أي يقتدوا بي مستدلين على أفعالي بأفعالكم، ففيه جواز اعتماد المأموم في متابعة الإمام الذي لا يراه ولا يسمعه على مبلغ عنه، أو صف قدامه يراه متابعا للإمام، شرح النووي على مسلم (4/159).
3 أي عن الصفوف الأول حتى يؤخرهم الله تعالى عن رحمته أو عظيم فضله، ورفع المنزلة، وعن العلم ونحو ذلك. شرح النووي على مسلم (4/159).
4 الشرح الممتع على زاد المستقنع (4/278) للشيخ  محمد بن صالح بن محمد العثيمين، دار ابن الجوزي ط الأولى 1422هـ - 1428هـ.
5 مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين (13/25).
6 مجموع فتاوى ابن باز (12/399-400) أشرف على جمعه: محمد بن سعد الشويعر، الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء.
 

4 - إنَّ الصبیان إذا تقدَّموا إلى مكان، فھم أحقُّ بھ مِن غیرھم

الأطفال زینة من زینة الدنیا، ولغة سھلة بریئة في التعبیر عن الحیاة، وصدق الأول حین قال:
وإنما أولادنا بیننا أكبادنا تمشي على الأرض
ھكذا ھم الأطفال في أعین آبائھم وأمھاتھم، وقد صح عن رسولنا الكریم - صلى الله علیھ وسلم - أنھ كان
یداعب ھؤلاء الأطفال، ویسلم علیھم حتى قال عنھ أنس بن مالك - رضي الله عنھ -: "كان رسول الله - صلى
الله علیھ وسلم- یدخل علینا ولي أخ صغیر یُكنى أبا عمیر، وكان لھ نغر یلعب بھ، فمات، فدخل علیھ النبي -
صلى الله علیھ وسلم - ذات یوم فرآه حزیناً فقال: ((ما شأنھ))؟ قالوا: مات نغره، فقال: ((یا أبا عمیر ما فعل
. النغیر))  النغیر: تصغیر نغر، وھو طائر یشبھ العصفور أحمر المنقار.
لذا علیك أیھا الإمام الفاضل أن تتعامل مع ھؤلاء الصغار إذا دخلوا المسجد بألطف معاملة، وأطیبھا وألینھا،
برفق وحكمة وتعقل لا بعنف وقوة، فلا تخوفھم أو ترھبھم.
ولربما حصل لھم موقف واحد جعل في قلوبھم عقدة من المساجد وأھل المساجد، وھم وإن كانوا صغاراً إلا إن
لھم نفوساً ومشاعر، فرفقاً أیھا الإمام بالصبیان خاصة في ھذا الشھر الكریم، حتى یحبوا المساجد، ویتعودوا
علیھا، ویتعلموا من المسلمین الصلاة والأدب.
وانظر أیھا الإمام الكریم إلى فقھ الشیخ ابن عثیمین في ھذه المسألة حین قال - رحمھ الله -: "إنَّ الصبیان إذا
تقدَّموا إلى مكان، فھم أحقُّ بھ مِن غیرھم؛ لعموم الأدلَّة على أنَّ مَن سبقَ إلى ما لم یسبق إلیھ أحدٌ فھو أحقُّ
بھ، والمساجدُ بیوتُ الله یستوي فیھا عباد الله، فإذا تقدَّم الصبيُّ إلى الصفِّ الأول - مثلاً - وجَلَسَ فلیكنْ في
ولأننا لو قلنا بإزاحة الصِّبیان عن المكان الفاضل، وجعلناھم في مكان واحد؛ أدى ذلك إلى لَعبِھم؛ لأنَّھم ینفردون
بالصَّفِّ، ثم ھنا مشكل إذا دخل الرِّجالُ بعد أن صفَّ الجماعة ھل یُرجعونھم، وھم في الصلاة؟ وإن بَقَوا صفاً كاملاً
فسیُشوِّشون على مَنْ خلفَھم مِن الرِّجَال.
ثم إنَّ تأخیرھم عن الصَّفِّ الأول بعد أن كانوا فیھ یؤدِّي إلى محذورین:
المحذور الأول: كراھة الصَّبيِّ للمسجدِ؛ لأن الصَّبيَّ - وإنْ كان صبیا - لا تحتقره، فالشيء ینطبع في قلبھ.
. المحذور الثاني: كراھتھ للرَّجُل الذي أخَّره عن الصَّفِّ" 2
نسأل الله - تعالى - أن یوفق كل إمام لما یحب ویرضى، وأن یرشده سواء السبیل، ویوفقھ للخیر والصواب،
عن الإسلام والمسلمین خیر الجزاء، والحمد لله رب العالمین.
.(18-3/ 2 الشرح الممتع على زاد المستقنع  17 )
والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق