السبت، ١٣ رمضان ١٤٣٢ هـ

الذكــــر


الذكــــر
ملخص الخطبة
1- معاني الذكر. 2- الكون يسبح الله. 3- المحبة بين الله وخلقه. 4- فضائل الذكر. 5- مواطن الذكر. 6- موقف العبد من الذكر.
الخطبة الأولى



يقول الله تعالى: http://www.islamdoor.com/k/start-icon.gif يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبحوه بكرة وأصيلا http://www.islamdoor.com/k/end-icon.gif [الأحزاب:42]. وفضائل الذكر كثيرة.
فما الذكر؟، وما فضائله؟، وما مواطن ذكر العبد لربه؟، وما موقف المسلم منه؟
أما الذكر: فللذكر معنيان:
أ- عام: كل ما يتقرب به العبد لربه فهو ذكر لله عز وجل، فجوارح العبد لم تتحرك للطاعة إلا وذكر الله تعالى قد ساقها.
ب- خاص: هو ما يجري على اللسان والقلب من تسبيح وتنزيه وحمد وثناء على الله عز وجل.
وينبغي أن تعلم :
1- أن الوجود كله ذاكر لله مسبح له، قال تعالى: http://www.islamdoor.com/k/start-icon.gif وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم http://www.islamdoor.com/k/end-icon.gif [الإسراء:44].
أ- الجماد: قول النبي http://www.islamdoor.com/k/salla-icon.gif: ((هذا جمدان (اسم جبل) سبق المفردون، قالوا: وما المفردون يا رسول الله؟ قال: الذاكرون الله كثيرا والذاكرت))([1]).
ب- الحيوان: قول النبي http://www.islamdoor.com/k/salla-icon.gif: ((فرب مركوبة خير من راكبها وأكثر ذكرا لله منه))([2]).
ج- الطير: قال تعالى: http://www.islamdoor.com/k/start-icon.gif ولقد آتينا داود منا فضلا يا جبال أوبي معه والطير http://www.islamdoor.com/k/end-icon.gif [سبأ:10]. أوّبي: أي سبحي، والتأويب الترجيع فأمرت الجبال والطير أن ترجع معه بأصواتها.
2-أن الصلة بين الله وأوليائه صلة ود ومحبة: قال تعالى: http://www.islamdoor.com/k/start-icon.gif إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا http://www.islamdoor.com/k/end-icon.gif [مريم:96] وقال تعالى: http://www.islamdoor.com/k/start-icon.gif والذين آمنوا أشد حبا لله http://www.islamdoor.com/k/end-icon.gif [البقرة:165].
وقال تعالى: http://www.islamdoor.com/k/start-icon.gif يحبهم ويحبونه http://www.islamdoor.com/k/end-icon.gif [المائدة:54].
والمحب الصادق في حبه لا يحتاج إلى من يذكره بحبيبه وإلا فهي دعوى تحتاج إلى دليل ودليلها هو الذكر الدائم الممزوج بالفرح واللذة التي لا يعلمها إلا من ذاقها. يقول أحد السلف: لو يعلم أبناء الملوك ما نحن فيه من لذة لقاتلونا عليها.
وكيف لا يذكر العبد ربه وهو سبحانه:
مصدر كل نعمة: قال تعالى: http://www.islamdoor.com/k/start-icon.gif وما بكم من نعمة فمن الله http://www.islamdoor.com/k/end-icon.gif [النحل:53].
وقال تعالى: http://www.islamdoor.com/k/start-icon.gif وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها http://www.islamdoor.com/k/end-icon.gif [إبراهيم:34].
والقلب إنما ينخلع إلى الله وحده عند المصيبة: قال تعالى: http://www.islamdoor.com/k/start-icon.gif ثم إذا مسّكم الضر فإليه تجئرون http://www.islamdoor.com/k/end-icon.gif [النحل:53].
             يا من يرى ما في الضمير ويسمع                أنت المـعد لكل مـا يتوقع
             يا مـن  خزائن ملكه في قول كن                يا من إليه المشتكى والمفزع
وأما فضائل الذكر: فإن للذكر فضائل كثيرة منها :
لا طمأنينة للقلب إلا به، قال تعالى: http://www.islamdoor.com/k/start-icon.gif ألا بذكر الله تطمئن القلوب http://www.islamdoor.com/k/end-icon.gif [الرعد:28].
يستدرك العبد بالذكر تقصيره للحديث: ((أن رجلا قال: يا رسول الله، إن شرائع الإسلام قد كثرت علي، فأخبروني بشيء أتشبث به، قال: لا يزال لسانك رطبا بذكر الله))([3]).
3- مطردة للشيطان ووساوسه: للحديث: ((إن الشيطان واضع خطمه على قلب ابن آدم فإن ذكر الله خنس، وإن نسي التقم قلبه فذلك الوسواس الخناس))([4]).
4- مغفرة للذنوب: فعن أنس http://www.islamdoor.com/k/radia-icon.gif: ((أن رسول الله http://www.islamdoor.com/k/salla-icon.gif أخذ غصنا فنفضه فلم ينتفض ثم نفضه فلم ينتفض، ثم نفضه فانتفض، فقال رسول الله http://www.islamdoor.com/k/salla-icon.gif: إن سبحان الله والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، تنفض الخطايا كما تنفض الشجرة ورقها))([5]).
5- غراس وبناء: عن ابن مسعود http://www.islamdoor.com/k/radia-icon.gif، قال: قال رسول الله http://www.islamdoor.com/k/salla-icon.gif: ((لقيت إبراهيم عليه السلام ليلة أسرى بي، فقال يا محمد: أقرئ أمتك مني السلام وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة عذبة الماء، وأنها قيعان (أي مستوية منبسطة) وأن غراسها سبحان الله والحمد الله ولا إله إلا الله والله أكبر))([6]).
6- الحصن الحصين من الآفات والأمراض والشرور: للحديث: ((من رأى مبتلى فقال: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به، وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلا، لم يصبه ذلك البلاء))([7]).
7- معية الله ورحمته وتوفيقه لذاكره سبحانه: للحديث عن أبي هريرة http://www.islamdoor.com/k/radia-icon.gif قال: قال رسول الله http://www.islamdoor.com/k/salla-icon.gif: ((يقول الله: أنا عند ظن عبدي بي وأن معه إذا ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم))([8]).
8- سبب للنجاة من عذاب الله: للحديث: ((ما عمل آدمي قط أنجى له من عذاب الله من ذكر عز وجل))([9]).
وأما مواطن ذكر العبد لربه: فالأصل أن ذكر الله عز وجل في كل حين يكون للحديث عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((كان رسول الله http://www.islamdoor.com/k/salla-icon.gif يذكر الله عز وجل على كل أحيانه))([10]والذي نريد أن نؤكد جانب الذكر فيه، هي المواطن العملية التي تغفل فيها القلوب، ومن هذه المواطن:
1- عند النعمة: قال تعالى: http://www.islamdoor.com/k/start-icon.gif وبنعمة الله هم يكفرون http://www.islamdoor.com/k/end-icon.gif [النحل:72]. قال ابن كثير: أي يسترونها ويضيفونها إلى غير الله تعالى.
كحال قارون عندما نسب النعمة إليه، قال تعالى عنه http://www.islamdoor.com/k/start-icon.gif إنما أوتيته على علم عندي http://www.islamdoor.com/k/end-icon.gif      [القصص:78]. فكانت عاقبته: http://www.islamdoor.com/k/start-icon.gif فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين http://www.islamdoor.com/k/end-icon.gif [القصص:81].
ثم تأمل موقف نبي الله سليمان عليه السلام وقد رأى عظيم فضل الله عليه وما سخره له، قال تعالى: http://www.islamdoor.com/k/start-icon.gif فلما رآه مستقرا عنده قال هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر http://www.islamdoor.com/k/end-icon.gif [النمل:40].
وذكر العبد لربه عند النعمة يكون بألا يرد سائلا ولا ينهر يتيما، قال تعالى: http://www.islamdoor.com/k/start-icon.gif فأما اليتيم فلا تقهر وأما السائل فلا تنهر وأما بنعمة ربك فحدث http://www.islamdoor.com/k/end-icon.gif [الضحى:8-11].
2- وعند القوة: فلا تتعاظم في نفسك وأنت الضعيف أولك نطفة قذرة وآخرك جيفة مذرة، وأنت ما بينهما تحمل العذرة.
تذكر قدرة الله عليك إذا دعتك نفسك إلى الظلم فذكر الله تعالى تثاب عليه وتأمل في موقف رسول الله http://www.islamdoor.com/k/salla-icon.gif يوم فتح مكة وكلمة من رسول الله http://www.islamdoor.com/k/salla-icon.gif تطيح برؤوس الذين آذوه وقتلوا أصحابه وصدوا عن سبيل الله سنين طوال ولم يتركوا وسيلة أو أسلوبا إلا واستخدموه، ((وقف المصطفى http://www.islamdoor.com/k/salla-icon.gif ونادى في أهل مكة: ما تظنون أني فاعل بكم، قالوا: خيرا أخ كريم وابن أخ كريم، فقال عليه الصلاة والسلام: اذهبوا فأنتم الطلقاء))([11]).
ورأى النبي http://www.islamdoor.com/k/salla-icon.gif أبا مسعود وهو يضرب غلاما له، فقال: ((يا أبا مسعود اتق من هو أقدر عليك منك عليه، يقول أبو مسعود: فالتفت فإذا رسول الله غاضب، فقلت: هو حر لوجه الله يا رسول الله، فقال: عليه الصلاة والسلام: والله لو لم تقلها لمستك النار))([12]).
3- وعند المصيبة: فلا تنسينك أنك عبد مملوك لمالك هو الله جل جلاله وأنه سبحانه حكيم، فعليك بلزوم الأدب عند المصيبة في:
أ- عقلك: بأن تحسن الظن بربك: http://www.islamdoor.com/k/start-icon.gif وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون http://www.islamdoor.com/k/end-icon.gif [البقرة:216].
ب- في لسانك: فلا تنطق إلا بالحمد والإقرار بأنك ملك لله سبحانه وأن المرجع إليه لا إلى سواه: http://www.islamdoor.com/k/start-icon.gif الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون http://www.islamdoor.com/k/end-icon.gif[البقرة:156].
ج- وفي جوارحك: فلا شق ولا لطم: ((ليس منا من لطم الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية))([13]).
فلزوم العبد الأدب عند المصيبة ذكر لله عز وجل.
4- عند الشهوة: فلا تطغى شهواتك على دينك وعقلك، فلا تستطيع كبح جماح نفسك عن الحرام للحديث: ((سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ...، -ومنهم - رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله))([14]).
فإذا ملك العبد زمام نفسه فقد ذكر ربه فهذا يوسف عليه السلام وقد اجتمعت الدواعي الكثيرة لإتيانه الفاحشة فقال: http://www.islamdoor.com/k/start-icon.gif معاذ الله http://www.islamdoor.com/k/end-icon.gif [يوسف:23].
5- وعند بيعك وشرائك: فلا يقودك جشعك إلى الحرام وعدم المبالاة بمشروعية كسبك أو حرمته للحديث: ((كل لحم نبت من حرام فالنار أولى به))([15]).
فحذرك ألا يدخل جوفك الحرام هو ذكر لله عز وجل تثاب عليه.
وأما موقف العبد من الذكر:
فإن للذكر آدابا ينبغي على العبد أن يلتزم بها عند الذكر ومن ذلك:
انتهاء الجوارح عن الفواحش: ذلك لأن المقصود من الذكر تزكية الأنفس وتطهير القلوب وإيقاظ الضمائر قال تعالى: http://www.islamdoor.com/k/start-icon.gif وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر http://www.islamdoor.com/k/end-icon.gif [العنكبوت:45].
وسأل مكحول ابن عمر http://www.islamdoor.com/k/radia-icon.gif عن قوله تعالى: http://www.islamdoor.com/k/start-icon.gif فاذكروني أذكركم http://www.islamdoor.com/k/end-icon.gif [البقرة:152]. فكيف بالزاني والفاسق إذا ذكر ربه؟ فقال ابن عمر http://www.islamdoor.com/k/radia-icon.gif: إن الزاني والفاسق إذا ذكر ربه ذكره الله بلعنته حتى يسكت.
وعائشة رضي الله عنها تقول: (رب قاري للقرآن والقرآن يلعنه) فإذا ذكر آية فيها اللعنة على الكافرين أو الظالمين أو الكاذبين وهو كذلك فقد لعن نفسه.
الخشوع والتأديب: قال تعالى: http://www.islamdoor.com/k/start-icon.gif إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم http://www.islamdoor.com/k/end-icon.gif [الأنفال:2]. حيث يستشعر عظمة رب العزة والجلال الذي بيده ملكوت كل شيء، والذي يقول للشيء كن فيكون، خالق الخلق أجمعين، يستشعر تقصيره وتفريطه وغفلته وذنوبه وهو العبد الحقير للحديث: ((سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ... - ومنهم-  ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه بالدموع))([16]).
انخفاض الصوت مخافة وطعما: قال تعالى: http://www.islamdoor.com/k/start-icon.gif واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين http://www.islamdoor.com/k/end-icon.gif[الأعراف:205].
حيث يستشعر العبد قرب ربه منه، وسماعه سبحانه، وعلمه فهو سبحانه: http://www.islamdoor.com/k/start-icon.gif يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور http://www.islamdoor.com/k/end-icon.gif [غافر:19].
فإنما هي مناجاة، وخفقات قلوب، ممزوجة بدموع الانكسار والندم.
لزوم المأثور فإنه أنفع وأبلغ: فأدعية وأذكار المصطفى http://www.islamdoor.com/k/salla-icon.gif إنما هي مفاتيح لخزائن رحمه الله، والإتيان بالمفتاح المناسب للباب المعلوم أيسر في حصول المراد.


([1])رواه مسلم .
([2])رواه أحمد .
([3])رواه الترمذي وقال حديث حسن .
([4])الحافظ أبو يعلى / تفسير ابن كثير مجلد 4 ص58 .
([5])رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح .
([6])رواه الترمذي والطبراني في الأوسط .
([7])رواه الترمذي وقال حديث حسن .
([8])رواه البخاري ومسلم .
([9])رواه أحمد .
([10])مسلم أبو داود والترمذي .
([11])تهذيب سيرة ابن هشام 292.
([12])رواه مسلم وأبو داود والترمذي .
([13])البخاري .
([14])متفق عليه .
([15])الترمذي .
([16])متفق عليه .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق