الجمعة، ٢٦ رمضان ١٤٣٢ هـ

تذكير الأماجد بضوابط حضور الصبيان إلى المساجد


تذكير الأماجد بضوابط حضور الصبيان إلى المساجد

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد .
من أيامٍ قليلةٍ قرأتُ مقالا للأخ الكاتب الأستاذ أنس محمد خير يوسف بعنوان
( ظاهرة شَغَب الأطفال في المساجد )
http://www.alukah.net/Articles/Artic...ArticleID=1112
وكان مقالا طريفا للغاية ، وناقش ظاهرةً تعيشها مجتمعاتنا الإسلامية ، وفتح ذهني إلى الكتابة في هذا الموضوع فالله الموفق .

لقد وردت بعض الأحاديث النبوية التي تدل على دخول الصبيان المساجد ، ولم يرد في النهي عن ذلك حديث صحيح ، ومن الأحاديث الدالة على الجواز على سبيل المثال لا الحصر :
1 - عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي وَهُوَ حَامِلٌ أُمَامَةَ بِنْتَ زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِأَبِي الْعَاصِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَهَا وَإِذَا قَامَ حَمَلَهَا ( متفق عليه )
وفي رواية عند مسلم : " عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَؤُمُّ النَّاسَ وَأُمَامَةُ بِنْتُ أَبِي الْعَاصِ وَهِيَ ابْنَةُ زَيْنَبَ بِنْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عَاتِقِهِ فَإِذَا رَكَعَ وَضَعَهَا وَإِذَا رَفَعَ مِنْ السُّجُودِ أَعَادَهَا "

2 - عَنْ أَبِي قتادة قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي لَأَقُومُ إِلَى الصَّلَاةِ وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُطَوِّلَ فِيهَا فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلَاتِي كَرَاهِيَةَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمِّهِ ( متفق عليه )
فأخذ بعض أهل العلم من هذه الأحاديث جواز إدخال الصبيان إلى المساجد :
- قال النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم ( ج2 ص218 الشاملة ) : " وَأَنَّ الصَّبِيّ يَجُوز إِدْخَاله الْمَسْجِد وَإِنْ كَانَ الْأَوْلَى تَنْزِيه الْمَسْجِد عَمَّنْ لَا يُؤْمَن مِنْهُ حَدَث ."
- وقال ابن رجب رحمه الله في فتح الباري ( ج3 ص277 الشاملة ) : " وقالوا : يكره إدخال المجانين والصبيان - الذين لا يميزون - المساجد ، ولا يحرم ذلك ؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى وهو حامل أمامة ، وفعله لبيان الجواز ."
- وقال الشوكاني رحمه الله في نيل الأوطار ( ج3 ص128 - 129 الشاملة ) : " وَفِيهِ جَوَازُ إدْخَالِ الصِّبْيَانِ الْمَسَاجِدَ وَقَدْ أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ** جَنِّبُوا مَسَاجِدَكُمْ صِبْيَانَكُمْ وَخُصُومَاتِكُمْ وَحُدُودَكُمْ وَشِرَاءَكُمْ وَبَيْعَكُمْ وَجَمِّرُوهَا يَوْمَ جُمَعِكُمْ وَاجْعَلُوا عَلَى أَبْوَابِهَا مَطَاهِرَكُمْ } وَلَكِنَّ الرَّاوِيَ لَهُ عَنْ مُعَاذٍ مَكْحُولٌ وَهُوَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ ، وَأَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ** جَنِّبُوا مَسَاجِدَكُمْ صِبْيَانَكُمْ وَمَجَانِينَكُمْ وَشِرَاءَكُمْ وَبَيْعَكُمْ وَخُصُومَاتِكُمْ وَرَفْعَ أَصْوَاتِكُمْ وَإِقَامَةَ حُدُودِكُمْ وَسَلَّ سُيُوفِكُمْ وَاِتَّخِذُوا عَلَى أَبْوَابِهَا الْمَطَاهِرَ وَجَمِّرُوهَا فِي الْجُمَعِ } وَفِي إسْنَادِهِ الْحَارِثُ بْنُ شِهَابٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ .
وَقَدْ عَارَضَ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ الضَّعِيفِينَ حَدِيثُ أُمَامَةَ الْمُتَقَدِّمُ وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَحَدِيثُ الْبَابِ وَحَدِيثُ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ** إنِّي لَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ وَأَنَا فِي الصَّلَاةِ فَأُخَفِّفُ ، مَخَافَةَ أَنْ تُفْتَتَنَ أُمُّهُ } وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَيُجْمَعُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ بِحَمْلِ الْأَمْرِ بِالتَّجْنِيبِ عَلَى النَّدْبِ كَمَا قَالَ الْعِرَاقِيُّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ ، أَوْ بِأَنَّهَا تُنَزَّهُ الْمَسَاجِدُ عَمَّنْ لَا يُؤْمَنُ حَدَثُهُ فِيهَا ."
فكما نرى استنبط العلماء من هذه الأحاديث جواز دخول الصبيان للمساجد ، مع تقريرهم بالكراهة وبأن الأولى اجتناب ذلك ، وكما هو معلوم أن الكراهة التنزيهية تزول لأدنى حاجة ( راجع مجموع الفتاوى ج4 ص 426 الشاملة - ج5 ص48 الشاملة - )
ولكن وضع العلماء لحضور الصبيان المساجد قواعد وضوابط ولم يتركوا الأمر فوضويا أو عشوائيا ، بل وضعوا الضوابط التي تكفل المحافظة على حرمة المسجد ، وسوف أنقل نصوص الفقهاء من المذاهب المختلفة ، ثم أضع خلاصة الضوابط التي وضعوها في نهاية المقال ، فإليك نصوصهم :
أولا : علماء المذهب المالكي
- في المدونة : " قَالَ : وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الصِّبْيَانِ يُؤْتَى بِهِمْ إلَى الْمَسَاجِدِ ؟ فَقَالَ : إنْ كَانَ لَا يَعْبَثُ لِصِغَرِهِ وَيَكُفُّ إذَا نُهِيَ فَلَا أَرَى بِهَذَا بَأْسًا ، قَالَ : وَإِنْ كَانَ يَعْبَثُ لِصِغَرِهِ فَلَا أَرَى أَنْ يُؤْتَى بِهِ إلَى الْمَسْجِدِ ." ( ج1 ص253 الشاملة )
2 - مواهب الجليل : " وَإِحْضَارُ صَبِيٍّ بِهِ لَا يَعْبَثُ وَيَكُفُّ إذَا نُهِيَ ) ش : قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ إذَا كَانَ يَعْبَثُ وَلَا يَكُفُّ إذَا نُهِيَ فَلَا يَجُوزُ إحْضَارُهُ لِمَا فِي الْحَدِيثِ ** جَنِّبُوا مَسَاجِدَكُمْ مَجَانِينَكُمْ وَصِبْيَانَكُمْ } فَالشَّرْطُ فِي جَوَازِ إحْضَارِهِ أَحَدُ أَمْرَيْنِ : إمَّا عَدَمُ عَبَثِهِ أَوْ كَوْنُهُ يَكُفُّ إذَا نُهِيَ عَنْ الْعَبَثِ ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ أَيْ ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّهُ يَكُفُّ عَنْ الْعَبَثِ إذَا وَقَعَ فِي الْمَسْجِدِ وَفِي حَوَاشِي التُّجِيبِيِّ ، قَالَ يَعْنِي يَكُفُّ إذَا نُهِيَ قَبْلَ دُخُولِ الْمَسْجِدِ يَعْنِي يَكُونُ شَأْنُهُ اسْتِمَاعَ مَا يُؤْمَرُ بِهِ وَتَرْكَ مَا نُهِيَ عَنْهُ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَنْزِيهُ الْمَسَاجِدِ عَنْ لَعِبِ الصِّبْيَانِ بَلْ يُمْنَعُونَ مِنْ رَفْعِ الصَّوْتِ ، وَلَوْ بِالْعِلْمِ انْتَهَى .
وَنَحْوُهُ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي " رَسْمِ حَلَفَ " مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ ، وَنَصُّ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ يُشْتَرَطُ فِي جَوَازِ إحْضَارِ الصَّبِيِّ أَحَدُ أَمْرَيْنِ : إمَّا عَدَمُ عَبَثِهِ أَوْ كَوْنُهُ يَكُفُّ إذَا نُهِيَ بِتَقْدِيرِ أَنْ يَعْبَثَ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَنْزِيهُ الْمَسَاجِدِ عَنْ لَعِبِ الصِّبْيَانِ وَغَيْرِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ** فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ } الْآيَةَ انْتَهَى ." ( ج5 ص 49 الشاملة )

ثانيا : علماء المذهب الشافعي
1 - في روضة الطالبين : " وكذا الصبيان والمجانين يمنعون من دخوله." ( ج1 ص109 الشاملة )
2 - في المجموع : " من البدع المنكرة ما يفعل في كثير من البلدان من ايقاد القناديل الكثيرة العظيمة السرف في ليال معروفة من السنة كليلة نصف شعبان فيحصل بسبب ذلك مفاسد كثيرة منها مضاهات المجوس في الاعتناء بالنار والاكثار منها ومنها اضاعة المال في غير وجهه ومنها ما يترب على ذلك في كثير من المساجد من اجتماع الصبيان وأهل البطالة ولعبهم ورفع أصواتهم وامتهانهم المساجد وانتهاك حرمتها وحصول أوساخ فيها وغير ذلك من المفاسد التى يجب صيانة المسجد من أفرادها" ( ج2 ص177 -178 الشاملة )
3 - حاشيتا قليوبي وعميرة : " " وَاعْتَرَضَهُ الْإِسْنَوِيُّ بِتَصْرِيحِهِمْ بِتَحْرِيمِ إدْخَالِ الصِّبْيَانِ الْمَسَاجِدَ ، كَمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ صَاحِبِ الْعِدَّةِ ، وَاعْتَرَضَهُ النَّوَوِيُّ ، فَقَالَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ إذَا لَمْ يَغْلِبْ تَنْجِيسُهُمْ كَانَ مَكْرُوهًا .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : فَهَذَا صَرِيحٌ فِي التَّحْرِيمِ عِنْدَ غَلَبَةِ النَّجَاسَةِ وَالْكَرَاهَةِ عِنْدَ عَدَمِ الْغَلَبَةِ " ( ج6 ص73 الشاملة ) "
4 - الأشباه والنظائر للسيوطي : " وَمِنْ ثَمَّ حُرِّمَ إدْخَالُهُ الصِّبْيَانَ وَالْمَجَانِينَ حَيْثُ غَلَبَ تَنْجِيسُهُمْ .
وَإِلَّا فَيُكْرَهُ كَمَا فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ وَالشَّهَادَاتِ ." ( ج2 ص 269 الشاملة )

ثالثا :علماء المذهب الحنبلي
- في مطالب أولي النهى : " ( وَيَجُوزُ تَعْلِيمُ كِتَابَةٍ لِصِبْيَانٍ ) فِي الْمَسْجِدِ بِالْأُجْرَةِ ، قَالَهُ فِي " الْآدَابِ الْكُبْرَى " بِشَرْطِ أَنْ ( لَا يَحْصُلَ مِنْهُمْ ضَرَرٌ فِيهِ ) ، أَيْ : الْمَسْجِدِ ، كَتَلْوِيثِهِ بِحِبْرٍ وَنَحْوِهِ .
( وَسُنَّ صَوْنُهُ ) ، أَيْ : الْمَسْجِدِ ، ( عَنْ ) صَغِيرٍ ( غَيْرِ مُمَيِّزٍ بِلَا مَصْلَحَةٍ ) وَلَا فَائِدَةٍ . ( ج6 ص3 )
2 - وقال أيضا : " ( وَ ) سُنَّ أَنْ ( يُصَانَ ) الْمَسْجِدُ عَنْ رَفْعِ الصِّبْيَانِ أَصْوَاتَهُمْ بِاللَّعِبِ " ( ج6 ص4 )
3 - جاء في كشاف القناع : " ( وَيُسَنُّ أَنْ يُصَانَ ) الْمَسْجِدُ ( عَنْ صَغِيرٍ لَا يُمَيِّزُ لِغَيْرِ مَصْلَحَةٍ وَلَا فَائِدَةٍ ) ( ج6 ص223 )
4 - وقال في الفروع : " وَقِيلَ فِيهِ يُكْرَهُ كَصَغِيرٍ ، وَفِيهِ فِي النَّصِيحَةِ يُمْنَعُ لِلَّعِبِ ، لَا لِصَلَاةٍ وَقِرَاءَةٍ ، وَهُوَ مَعْنَى كَلَامِ ابْنِ بَطَّةَ وَغَيْرِهِ ، وَأَطْلَقَ فِي الْخِلَافِ مَنْعَ صَغِيرٍ وَمَجْنُونٍ ، وَنَقَلَ مُهَنَّا يَنْبَغِي أَنْ يُجَنَّبَ الصِّبْيَانُ الْمَسَاجِدَ " ( ج1 ص201 )
5 - قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " يُصَانُ الْمَسْجِدُ عَمَّا يُؤْذِيهِ ، وَيُؤْذِي الْمُصَلِّينَ فِيهِ ، حَتَّى رَفْعُ الصَّبِيَّانِ أَصْوَاتَهُمْ فِيهِ ؛ وَكَذَلِكَ تَوْسِيخُهُمْ لِحُصْرِهِ ، وَنَحْوُ ذَلِكَ .
لَا سِيَّمَا إنْ كَانَ وَقْتَ الصَّلَاةِ ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَظِيمِ الْمُنْكَرَاتِ ." ( الفتاوى الكبرى ج2 ص197 )
6 - قال ابن رجب رحمه الله في فتح الباري : " وقال في رواية مهنا : ينبغي أن تجنب الصبيان المساجد ." ( ج3 ص277 )


الخلاصة : خلاصة ما ذكرنا هو أن الأصل جواز دخول الصبيان المساجد ، وإن كان الأولى اجتناب ذلك لعدم المميزين إلا لحاجة ، وأن علماءنا قد وضعوا ضوابط لحضور الصبيان إلى المسجد وهي :
1 - أن يؤمن عدم تنجيسهم المسجد ، و لا يجوز إحضار من لا يؤمن منهم تنجيس المسجد ، ويجب على وليه تطهير ما نجسه الصبي .
2 - أن يكون ممن لا يعبث في المسجد أو إذا عبث ونُهي عن ذلك كَف عن العبث .
3 - أن يكون لحاجة كتعليم أو تدريب على صلاة ونحو ذلك .

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اّله وصحبه وسلم .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق